كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَالرَّاغِبُ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وِفَاقًا لِابْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: إِنَّهُ مُسْتَعَارٌ مِنَ الْكِفْلِ- بِالْكَسْرِ- وَهُوَ الشَّيْءُ الرَّدِيءُ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْكَفَلِ، وَهُوَ أَنَّ الْكِفْلَ لَمَّا كَانَ مَرْكَبًا يَنْبُو بِرَاكِبِهِ صَارَ مُتَعَارَفًا فِي كُلِّ شِدَّةٍ كَالسِّيسَاءِ، وَهُوَ الْعَظَمُ النَّاتِئُ مِنْ ظَهْرِ الْحِمَارِ فَيُقَالُ: لِأَحْمِلَنَّكَ عَلَى الْكِفْلِ وَالسِّيسَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى الْآيَةِ مَنْ يَنْضَمَّ إِلَى غَيْرِهِ مُعِينًا لَهُ فِي فِعْلَةِ حَسَنَةٍ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا نَصِيبٌ، وَمَنْ يَنْضَمَّ إِلَى غَيْرِهِ مُعِينًا لَهُ فِي فِعْلَةٍ سَيِّئَةٍ يَنَلْهُ مِنْهَا شِدَّةٌ، وَقِيلَ: الْكِفْلُ الْكَفِيلُ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَنْ تَحَرَّى شَرًّا فَلَهُ مِنْ فِعْلِهِ كَفِيلٌ يَسْأَلُهُ، كَمَا قِيلَ مَنْ ظَلَمَ فَقَدْ أَقَامَ كَفِيلًا بِظُلْمِهِ، تَنْبِيهًا إِلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْ عُقُوبَتِهِ انْتَهَى.
وَفَسَّرَ الْآيَةَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا شَيْخُ الْمُفَسِّرِينَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ الشَّفَاعَةَ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ جَعَلْنَاهَا لَهُ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ أَوَّلًا بِالْقِتَالِ وَحْدَهُ فَكَأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَصَدَّى لِلْقِتَالِ مَعَهُ قَدْ تَصَدَّى لِأَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ مَعَهُ شَفِيعًا، وَاسْمُ الشَّرْطِ فِي مَنْ يَشْفَعْ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ وَلَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا دُخُولًا أَوَّلِيًّا بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً، شَفَاعَةَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِيمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ عَمَّ بِذَلِكَ كُلُّ شَافِعٍ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا قُلْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحُضُّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ، فَكَانَ ذَلِكَ بِالْوَعْدِ لِمَنْ أَجَابَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْوَعِيدِ لِمَنْ أَبَى إِجَابَتَهُ- أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْحَثِّ عَلَى شَفَاعَةِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالَ مَنْ ذَكَرُوا أَنَّهَا فِي شَفَاعَةِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ الرَّازِيُّ لِاتِّصَالِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وُجُوهًا أَوَّلَهَا، وَثَانِيَهَا أَنَّهُ جَعَلَ تَحْرِيضَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقِتَالِ بِمَعْنَى الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ لَهُ أَجْرُهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ مِمَّنْ تَمَرَّدَ وَعَصَى وِزْرٌ وَلَا عَيْبٌ. وَالثَّالِثَ: جَوَازُ أَنَّ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ يَشْفَعُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَنْ يَأْذَنَ لِبَعْضِهِمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْقِتَالِ فَنَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ إِنَّمَا تَحْسُنُ إِذَا كَانَتْ وَسِيلَةً إِلَى إِقَامَةِ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى دُونَ الْعَكْسِ، وَهَذَا الْوَجْهُ صَحِيحٌ، وَكَانَ وَاقِعًا وَقَدْ ذَكَرَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ اسْتِئْذَانَهُمْ فِي التَّخَلُّفِ، وَقَدْ يَسْتَأْذِنُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِهِ وَيَشْفَعُ لَهُ كَمَا يَسْتَأْذِنُ لِنَفْسِهِ. وَالرَّابِعَ- مِمَّا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ-: جَوَازُ أَنْ يَشْفَعَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ لِبَعْضٍ فِي إِعَانَةِ مَنْ لَا يَجِدُ أُهْبَةِ الْقِتَالِ أَنْ يُعَانَ عَلَيْهَا، وَحَاصِلُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ الشَّفَاعَةَ ذُكِرَتْ فِي هَذَا السِّيَاقِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَقَعَ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى الْقِتَالِ أَوِ الْقُعُودِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا عَلَى سُنَّةِ الْقُرْآنِ فِي الْإِتْيَانِ بِالْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَامَّةِ فِي سِيَاقِ بَيَانِ بَعْضِ مَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْعُمُومِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ الشَّفَاعَةِ خَمْسَةَ وُجُوهٍ:
أَوَّلُهَا: أَنَّهَا تَحْرِيضُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُمْ عَلَى الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَجْعَلُ نَفْسَهُ شَفْعًا لَهُمْ، وَذَكَرَ عِلَّةً ثَانِيَةً لِتَسْمِيَةِ التَّحْرِيضِ شَفَاعَةً وَهِيَ أَنَّ التَّحْرِيضَ عَلَى الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَمْرِ بِهِ، لَا عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ بَلْ عَلَى الرِّفْقِ وَالتَّلَطُّفِ، وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الشَّفَاعَةِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَوِ التَّوْجِيهُ يُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ وُجُوهِ الِاتِّصَالِ وَالْمُنَاسَبَةِ وَيُقَرِّبُهُ.
ثَانِيهَا: أَنَّهَا شَفَاعَةُ الْمُنَافِقِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي التَّخَلُّفِ، أَوْ شَفَاعَةُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الْإِعَانَةِ، وِفَاقًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ وُجُوهِ الِاتِّصَالِ.
ثَالِثُهَا: قَوْلُهُ نَقَلَ الْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّفَاعَةَ الْحَسَنَةَ هَاهُنَا هِيَ أَنْ يَشْفَعَ إِيمَانُهُ بِاللهِ بِقِتَالِ الْكَفَّارِ- أَيْ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ- وَالشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ أَنْ يَشْفَعَ كُفْرُهُ بِالْمَحَبَّةِ لِلْكُفَّارِ وَتَرْكِ إِيذَائِهِمْ، أَقُولُ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِإِعَانَةِ الْكُفَّارِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْحَقِّ وَخِذْلَانِهِمْ.
رَابِعُهَا: قَوْلُ مُقَاتِلٍ: إِنَّ الشَّفَاعَةَ الْحَسَنَةَ الدُّعَاءُ وَإِنَّ نَصِيبَ الشَّافِعِ مِنْهَا يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ: مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَوْرَدَهُ الرَّازِيُّ بِالْمَعْنَى، وَذَكَرَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ السَّيِّئَةَ مَا كَانَ مِنْ تَحْرِيفِ الْيَهُودِ لِلسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِمْ: «السَّامُ عَلَيْكُمْ» أَيِّ الْمَوْتُ، أَقُولُ: وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا مَعْرُوفٌ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ مَعْنَى الشَّفَاعَةِ أَلْبَتَّةَ.
خَامِسُهَا: قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالْكَلْبِيِّ وَابْنِ زَيْدٍ: إِنَّهَا شَفَاعَةُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَمَا يَجُوزُ فِي الدِّينِ أَنْ يَشْفَعَ فِيهِ فَهُوَ شَفَاعَةٌ حَسَنَةٌ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْفَعَ فِيهِ فَهُوَ شَفَاعَةٌ سَيِّئَةٌ، ثُمَّ جَزَمَ الرَّازِيُّ بِأَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ لابد أَنْ يَكُونَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْجِهَادِ، فَلَا يَجُوزُ قَصْرُهَا عَلَى الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً فِي مَعْنَاهَا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ الَّذِي لَا يُنَافِيهِ خُصُوصُ السَّبَبِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
وَقَدْ أَنْكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ عَلَى الْجَلَالِ وَغَيْرِهِ حَمْلَ الشَّفَاعَةِ عَلَى مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فِي شُئُونِهِمُ الْخَاصَّةِ مِنَ الْمَعَايِشِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ يَذْهَبُ بِمَا فِي الْآيَةِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْحَرَارَةِ وَيُخْرِجُهَا مِنَ السِّيَاقِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَعَمُّ فَالْمَقْصُودُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ الشَّفَاعَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحَرْبِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْآيَاتِ فِي الْمُبْطِئِينَ عَنِ الْقِتَالِ، وَالَّذِينَ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى اللهُ تَعَالَى مِنْ خِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ ذَلِكَ ضُرُوبُ الِاعْتِذَارِ الَّتِي كَانُوا يَعْتَذِرُونَ بِهَا، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الِاعْتِذَارُ بِوَاسِطَةِ بَعْضِ النَّاسِ الَّذِينَ يُرْجَى السَّمَاعُ لَهُمْ وَالْقَبُولُ مِنْهُمْ، وَهُوَ عَيْنُ الشَّفَاعَةِ، اهـ.
ثُمَّ أَقُولُ: إِنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ شَفَاعَةَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ تَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَأَنَّهَا قِسْمَانِ: حَسَنَةٌ وَسَيِّئَةٌ، فَالْحَسَنَةُ أَنْ يَشْفَعَ الشَّافِعُ لِإِزَالَةِ ضَرَرٍ وَرَفْعِ مَظْلَمَةٍ عَنْ مَظْلُومٍ أَوْ جَرِّ مَنْفَعَةٍ إِلَى مُسْتَحِقٍّ، لَيْسَ فِي جَرِّهَا إِلَيْهِ ضَرَرٌ وَلَا ضِرَارٌ، وَالسَّيِّئَةُ أَنْ يَشْفَعَ فِي إِسْقَاطِ حَدٍّ، أَوْ هَضْمِ حَقٍّ، أَوْ إِعْطَائِهِ لِغَيْرِ مُسْتَحَقٍّ، أَوْ مُحَابَاةٍ فِي عَمَلٍ، بِمَا يَجُرُّ إِلَى الْخَلَلِ وَالزَّلَلِ، وَالضَّابِطُ الْعَامُّ أَنَّ الشَّفَاعَةَ الْحَسَنَةَ هِيَ مَا كَانَتْ فِيمَا اسْتَحْسَنَهُ الشَّرْعُ، وَالسَّيِّئَةُ فِيمَا كَرِهَهُ أَوْ حَرَّمَهُ.
وَمِنَ الْعِبْرَةِ فِي الْآيَةِ أَنْ نَتَذَكَّرَ بِهَا أَنَّ الْحَاكِمَ الْعَادِلَ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِعْلَامِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ مَظْلَمَةِ الْمَشْفُوعِ لَهُ أَوِ اسْتِحْقَاقِهِ لِمَا يَطْلُبُ لَهُ، وَلَا يَقْبَلُ الشَّفَاعَةَ لِأَجْلِ إِرْضَاءِ الشَّافِعِ فِيمَا يُخَالِفُ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ وَيُنَافِي الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ الْمُسْتَبِدُّ الظَّالِمُ فَهُوَ الَّذِي تَرُوجُ عِنْدَهُ الشَّفَاعَاتُ؛ لِأَنَّهُ يُحَابِي أَعْوَانَهُ الْمُقَرَّبِينَ مِنْهُ لِيَكُونُوا شُرَكَاءَ لَهُ فِي اسْتِبْدَادِهِ، فَيَثِقُ بِثَبَاتِهِمْ عَلَى خِدْمَتِهِ وَإِخْلَاصِهِمْ لَهُ، وَمَا الذِّئَابُ الضَّارِيَةُ بِأَفْتَكَ مِنَ الْغَنَمِ مِنْ فَتْكِ الشَّفَاعَاتِ فِي إِفْسَادِ الْحُكُومَاتِ وَالدُّوَلِ، فَإِنَّ الْحُكُومَةَ الَّتِي تَرُوجُ فِيهَا الشَّفَاعَاتُ يَعْتَمِدُ التَّابِعُونَ لَهَا عَلَى الشَّفَاعَةِ فِي كُلِّ مَا يَطْلُبُونَ مِنْهَا لَا عَلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، فَتَضِيعُ فِيهَا الْحُقُوقُ، وَيَحُلُّ الظُّلْمُ مَحَلَّ الْعَدْلِ، وَيَسْرِي ذَلِكَ مِنَ الدَّوْلَةِ إِلَى الْأُمَّةِ فَيَكُونُ الْفَسَادُ عَامًّا.
وَقَدْ نَشَأْنَا فِي بِلَادٍ هَذِهِ حَالُ أَهْلِهَا وَحَالُ حُكُومَتِهِمْ، يَعْتَقِدُ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى قَضَاءِ مَصْلَحَةٍ فِي الْحُكُومَةِ إِلَّا بِالشَّفَاعَةِ أَوِ الرِّشْوَةِ، وَلَا يَقُومُ عِنْدَنَا دَلِيلٌ عَلَى صَلَاحِ حُكُومَتِنَا إِلَّا إِذَا زَالَ هَذَا الِاعْتِقَادُ، وَصَارَتِ الشَّفَاعَةُ مِنَ الْوَسَائِلِ الَّتِي لَا يَلْجَأُ إِلَيْهَا إِلَّا أَصْحَابُ الْحَقِّ بَعْدَ طَلَبِهِ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِهِ، وَظُهُورُ الْحَاجَةِ إِلَى شَفِيعٍ يَظْهَرُ لِلْحَاكِمِ الْعَادِلِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ مِنَ اسْتِحْقَاقِ الْمَشْفُوعِ لَهُ لِكَذَا، أَوْ وُقُوعِ الظُّلْمِ عَلَيْهِ فِي كَذَا، وَأَنْ يَكُونَ مَا عَدَا هَذَا مِنَ النَّوَادِرِ الَّتِي لَا تَخْلُو حُكُومَةٌ مِنْهَا، مَهْمَا ارْتَقَتْ وَصَلُحَ حَالِهَا.
وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا أَيْ: مُقْتَدِرًا أَوْ حَافِظًا أَوْ شَاهِدًا، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْحَفِيظِ وَالشَّهِيدِ، أَقْوَالُ: قَالَ الرَّاغِبُ: وَحَقِيقَتُهُ قَائِمًا عَلَيْهِ يَحْفَظُهُ وَيَقِيتُهُ- يَعْنِي أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقُوتِ وَهُوَ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقِ مِنَ الرِّزْقِ وَتُحْفَظُ بِهِ الْحَيَاةَ- يُقَالُ: قَاتَهُ يَقُوتُهُ إِذَا أَطْعَمَهُ قُوتَهُ، وَأَقَاتَهُ يُقِيتُهُ إِذَا جَعَلَ لَهُ مَا يَقُوتُهُ اهـ، وَمَنْ جَعَلَ لَكَ مَا يَقُوتُكَ دَائِمًا كَانَ قَائِمًا عَلَيْكَ بِالْحِفْظِ وَشَهِيدًا عَلَيْكَ لَا يَقُوتُهُ أَمْرُكَ وَلَا يَغِيبُ عَنْهُ، وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ مَعْنَى الْقُدْرَةِ أَيْضًا بِاللُّزُومِ، وَلَكِنَّهُمْ أَوْرَدُوا مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى كَوْنِ الْمُقِيتِ بِمَعْنَى الْمُقْتَدِرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنَ الْقُوتِ، كَقَوْلِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
وَذِي ضَغَنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ ** وَكُنْتُ عَلَى إِسَاءَتِهِ مُقِيتَا

وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ:
تَجَلَّدْ وَلَا تَجْزَعْ وَكُنْ ذَا حَفِيظَةٍ ** فَإِنِّي عَلَى مَا سَاءَهُمْ لَمَقِيتُ

وَرَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ هُنَا مَعْنَى الْمُقْتَدِرِ مُسْتَدِلًّا بِبَيْتِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَقَاتَ عَلَى الشَّيْءِ اقْتَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنْشَدَ بَيْتَ الزُّبَيْرِ، وَعَزَاهُ أَوَّلًا إِلَى أَبِي قَيْسِ بْنِ رِفَاعَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لِلزُّبَيْرِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ الْفَرَّاءِ: الْمُقِيتُ الْمُقْتَدِرُ وَالْمُقَدِّرُ كَالَّذِي يُعْطَى كُلَّ شَيْءٍ قُوتَهُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمُقِيتُ الْقَدِيرُ، وَقِيلَ: الْحَفِيظُ، قَالَ: وَهُوَ بِالْحَفِيظِ أَشْبَهُ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقُوتِ، يُقَالُ: قُتُّ الرَّجُلَ أَقُوتُهُ إِذَا حَفِظْتُ نَفْسَهُ بِمَا يَقُوتُهُ، وَالْقُوتُ اسْمُ الشَّيْءِ الَّذِي يَحْفَظُ نَفْسَهُ وَلَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْحِفْظِ، فَمَعْنَى الْمُقِيتِ الْحَفِيظُ الَّذِي يُعْطِي الشَّيْءَ قَدْرَ الْحَاجَةِ مِنَ الْحِفْظِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمُقِيتُ الْمُقْتَدِرُ كَالَّذِي يُعْطِي كُلَّ رَجُلٍ قُوتَهُ، وَيُقَالُ: الْمُقِيتُ الْحَافِظُ لِلشَّيْءِ وَالشَّاهِدُ لَهُ، وَأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ لِلْسَمَوْأَلِ بْنِ عَادِيَا:
رُبَّ شَتْمٍ سَمِعْتُهُ وَتَصَامَمْـ ** ـتُ وَغَيٍّ تَرَكْتُهُ فَكُفِيتُ

لَيْتَ شِعْرِي وَأَشْعُرَنَّ إِذَا مَا ** قَرَّبُوهَا مَنْشُورَةً وَدُعِيتُ

أَلِيَ الْفَضْلُ أَمْ عَلَيَّ إِذَا حُو ** سِبْتُ إِنِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ

أَيْ: أَعْرَفُ مَا عَمِلْتَ مِنَ السُّوءِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، حَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ السِّيرَافِيِّ، قَالَ: الصَّحِيحُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى «رَبِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ» إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَمِنْهُ تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ لِلْمُقِيتِ فِي بَيْتِ السَّمَوْأَلِ بِالْمَوْقُوفِ عَلَى الْحِسَابِ.
وَحَاصِلُ مَعْنَى الْجُمْلَةِ: وَكَانَ اللهُ وَمَا زَالَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا، أَيْ: مُقْتَدِرًا مُقَدَّرًا فَهُوَ لَا يُعْجِزُهُ أَنْ يُعْطِيَ الشَّافِعَ نَصِيبًا أَوْ كِفْلًا مِنْ شَفَاعَتِهِ عَلَى قَدْرِهَا فِي النَّفْعِ وَالضُّرِّ، لِأَنَّ سُنَّتَهُ الْحَكِيمَةَ مَضَتْ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَزَاءُ مُرْتَبِطًا بِالْعَمَلِ، أَوْ شَهِيدًا حَفِيظًا عَلَى الشُّفَعَاءِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُ مُحْسِنِهِمْ وَمُسِيئِهِمْ فَهُوَ يُعْطِي الْجَزَاءَ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: بَعْدَ أَنْ عَلَّمَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ طَرِيقَةَ الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ وَهِيَ مِنْ أَسْبَابِ التَّوَاصُلِ بَيْنَ النَّاسِ، عَلَّمَهُمْ سُنَّةَ التَّحِيَّةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِمُ الضُّعَفَاءِ وَالْأَقْوِيَاءِ فِي الْإِيمَانِ، وَحُسْنَ الْأَدَبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ يَلْقَوْنَهُ فِي أَسْفَارِهِمْ فَقَالَ: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا، وَهَذَا مَا يَرَاهُ الْأُسْتَاذُ فِي وَجْهِ الِاتِّصَالِ وَالْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْآيَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا وَذَكَرَ الرَّازِيُّ فِي النَّظْمِ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجِهَادِ أَمَرَهُمْ أَيْضًا بِأَنْ يَرْضَوْا بِالْمُسَالَمَةِ إِذَا رَضِيَ الْأَعْدَاءُ بِهَا، فَهَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [8: 61].
وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَلْقَى الرَّجُلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ مَا يُقَارِبُهَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَقَدْ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى سَلَامِهِ وَيَقْتُلُهُ، فَمَنَعَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ وَأَمْرَهُمْ بِأَنْ يُقَابِلُوا كُلَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُكْرِمُهُمْ بِنَوْعٍ مِنَ الْإِكْرَامِ بِمِثْلِ مَا قَابَلَهُمْ بِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ.
هَذَا مُلَخَّصُ قَوْلِهِ: وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ جَعَلَ التَّحِيَّةَ بِمَعْنَى السَّلَامِ وَالسِّلْمِ، وَفِي الثَّانِي مِنَ التَّوَسُّعِ فِي التَّحِيَّةِ مَا فِيهِ، وَسَيَأْتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [4: 94]، وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا أَدَبَ التَّحِيَّةِ كَمَا ذَكَرَ مَا يَنْبَغِي وَمَا لَا يَنْبَغِي فِي الشَّفَاعَةِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنَ التَّحِيَّةِ وَالشَّفَاعَةِ شَأْنًا عَظِيمًا فِي حَالِ الْقِتَالِ، يَكُونُ بِهِ نَفْعُهُمَا أَوْ ضَرَرُهُمَا أَقْوَى مِنْهُ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّحِيَّةِ اشْتِقَاقُهَا مِنَ الْحَيَاةِ.
التَّحِيَّةُ: مَصْدَرُ حَيَّاهُ إِذَا قَالَ لَهُ حَيَّاكَ اللهُ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، ثُمَّ صَارَتِ التَّحِيَّةُ اسْمًا لِكُلِّ مَا يَقُولُهُ الْمَرْءُ لِمَنْ يُلَاقِيهِ أَوْ يُقْبِلُ هُوَ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ دُعَاءٍ أَوْ ثَنَاءٍ كَقَوْلِهِمْ: أَنْعِمْ صَبَاحًا وَأَنْعِمْ مَسَاءً، وَقَالُوا: عِمْ صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَجُعِلَتْ تَحِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ السَّلَامَ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ دِينَهُمْ دِينُ السَّلَامِ وَالْأَمَانِ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ السِّلْمِ وَمُحِبُّو السَّلَامَةِ، وَمِنَ التَّحِيَّاتِ الشَّائِعَةِ فِي بِلَادِنَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ: أَسْعَدَ اللهُ صَبَاحَكُمْ، أَسْعَدَ اللهُ مَسَاءَكُمْ- وَهَذَا بِمَعْنَى قَوْلِ الْعَرَبِ الْقُدَمَاءِ: أَنْعِمْ صَبَاحًا وَمَسَاءً- وَنَهَارُكَ سَعِيدٌ، وَلَيْلَتُكَ سَعِيدَةٌ، وَهَذَا مُتَرْجَمٌ عَنِ الْإِفْرِنْجِيَّةِ.
وَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ نُجِيبَ مَنْ حَيَّانَا بِأَحْسَنَ مِنْ تَحِيَّتِهِ أَوْ بِمِثْلِهَا أَوْ عَيْنِهَا، كَأَنْ نَقُولُ لَهُ الْكَلِمَةَ الَّتِي يَقُولُهَا، وَهَذَا هُوَ رَدُّهَا، وَفَسَّرُوهُ بِأَنْ تَقُولَ لِمَنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، بِقَوْلِكَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ تَقُولَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَإِذَا قَالَ هَذَا فِي تَحِيَّةٍ فَالْأَحْسَنُ أَنْ تَقُولَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَهَكَذَا يَزِيدُ الْمُجِيبُ عَلَى الْمُبْتَدِئِ كَلِمَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَأَقُولُ: قَدْ يَكُونُ أَحْسَنُ الْجَوَابِ بِمَعْنَاهُ أَوْ كَيْفِيَّةِ أَدَائِهِ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ لَفْظِ الْمُبْتَدِئِ بِالتَّحِيَّةِ، أَوْ مُسَاوِيَهُ فِي الْأَلْفَاظِ، أَوْ مَا هُوَ أَخْصَرُ مِنْهُ، فَمَنْ قَالَ لَكَ: أَسْعَدَ اللهُ صَبَاحَكُمْ وَمَسَاءَكُمْ، فَقُلْتَ لَهُ: أَسْعَدَ اللهُ جَمِيعَ أَوْقَاتَكُمْ كَانَتْ تَحِيَّتُكَ أَحْسَنَ مِنْ تَحِيَّتِهِ، وَمَنْ قَالَ لَكَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِصَوْتٍ خَافِتٍ يُشْعِرُ بِقِلَّةِ الْعِنَايَةِ فَقُلْتَ لَهُ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ بِصَوْتٍ أَرْفَعَ وَإِقْبَالٍ يُشْعِرُ بِالْعِنَايَةِ وَزِيَادَةِ الْإِقْبَالِ وَالتَّكْرِيمِ، كُنْتَ قَدْ حَيَّيْتَهُ بِتَحِيَّةٍ أَحْسَنَ مِنْ تَحِيَّتِهِ فِي صِفَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا فِي لَفْظِهَا، وَالنَّاسُ يُفَرِّقُونَ فِي الْقِيَامِ لِلزَّائِرِينَ بَيْنَ مَنْ يَقُومُ بِحَرَكَةٍ خَفِيفَةٍ وَهِمَّةٍ تُشْعِرُ بِزِيَادَةِ الْعِنَايَةِ وَمَنْ يَقُومُ مُتَثَاقِلًا، وَمِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ مَنْ يَشْتَرِطُونَ فِي الْعِنَايَةِ بِالْقِيَامِ إِظْهَارَ الِانْدِهَاشِ فَيَقُولُونَ: قَامَ لَهُ بِانْدِهَاشٍ، أَوْ قَامَ بِغَيْرِ انْدِهَاشٍ.